الخميس, 06 مارس 2014

حوار بين الأستاذ محمد يتيم ومحمد عابد الجابري على هامش أخداث 16 ماي الإرهابية

حوار بين الأستاذ محمد يتيم ومحمد عابد الجابري على هامش أخداث 16 ماي الإرهابية

تقدم مجلة ابن خلدون هذا الحوار المغربي بين المفكر المعروف الدكتور محمد عابد الجابري ومحمد يتيم وسنبدأ أولاً بمقال الدكتور الجابري ثم يليه مقال الأستاذ يتيم محمد
عابد الجابري: انفجارات الدار البيضاء ووضع الجماعات الإسلامية في المغرب
الانفجارات الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء مؤخرا لها جانبان: خاص وعام. سنخصص هذا المقال للجانب الأول.

وقبل ذلك ننبه إلى أننا سنتعامل مع موضوعنا من منطلق اقتناعنا بضرورة قيام كتلة تاريخية في كل قطر عربي، وفي العالم العربي ككل، من أجل إنجاز المهام التاريخية التي تفرضها المرحلة، مهام إرساء أسس الديموقراطية الحق وتدشين انطلاقة قوية شاملة نحو القضاء على التخلف في كافة الميادين الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والسياسية. إن النقد الذي سنمارسه في هذه السلسة من المقالات على سائر الجهات المرشحة لتكون أعضاء فاعلة في هذه الكتلة، ونقصد بذالك الجماعات الإسلامية والأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والدولة الخ، سيكون من نوع "النقد والنقد الذاتي"، وليس من نوع نقد "الآخر". إنه نقد يتحرك داخل مفهوم الكتلة التاريخية التي تتجاوز الغيرية داخلها: فـ"الآخر" لا يقع داخلها، بل خارجها.***بعد هذا التنبيه العام ننتقل إلى الموضوع الخاص. والبداية من الجماعات الإسلامية التي تمارس نشاطها في العلن، سواء كانت تحظى باعتراف رسمي من الدولة أو لم تكن، لأنها أقرب إلى الحدث، أعني أقرب من غيرها إلى تحمل أوزاره، أو جني ثماره، إن كانت له ثمار. ولما كان هذا الحدث يذكرنا بحدث مماثل وقع في المغرب وفي الدار البيضاء بالذات منذ ثمانية عشر عاما، فلنبدأ بالتذكير به، "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".
في الثالثة والنصف من زوال يوم 18 ديسمبر 1975 اغتيل الشهيد عمر بنجلون أحد قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمغرب. ومن سوء حظ الذين دبروا هذه العملية أن أحد الشبان المنفذين لها طورد من طرف المارة، فتم اعتقال الجاني وهو متلبس بالجريمة. ولم تمر سوى بضع ساعات حتى تعرفت الشرطة على بقية أفراد الجماعة المنفذة وكانوا أعضاء في جمعية "الشبيبة الإسلامية"، فاعتقوا ثم قدموا للمحاكمة ... أما المدبرون للعملية، فعلى الرغم من أن السلطات كانت قد توصلت إلى تحديد هوية "مشتبه فيهم"، فإنها لم تمسسهم ولم تذهب بالتحقيق إلى أقصى مداه لأسباب ربما تتعدى إطار الجريمة. فقد ذكر أثناء التحقيق الذي أجرته الشرطة أن الأمر يتعلق بمؤامرة كبرى كانت تستهدف تصفية جميع العناصر البارزة والنشطة في الاتحاد الاشتراكي. وقال "العارفون" يومئذ إن المخططين المدبرين لهذه العملية، قد صدروا في تفكيرهم من "المقدمات" التالية: قالوا: "لقد انتعش الاتحاديون بعد مؤتمرهم الاستثنائي (يناير1975) وأصبحوا، أكثر من ذي قبل، عائقا أمام نجاح "الحركة الإسلامية" في استلام السلطة في المغرب في المستقبل القريب. قالوا: "إن الاتحاديين يحتلون موقع المعارضة للحكم بصورة لا يمكن منافستهم عليه علنيا، وإن السبيل الأسرع هو تنحيتهم من الطريق من أجل الاستفراد بالحاكم لحمله على مسايرتنا أو يكون حل آخر". (نسب مضمون هذا الكلام إلى شخصية مغربية وأخرى غير مغربية، تنتمي إلى قطر عربي انتقلت إلى دار الجزاء...). وهكذا امتدت يدهم أولا إلى واحد من أبرز القياديين النشطين في هذا الحزب، معتقدين أن العملية ستمر "على أحسن ما يكون"، وأن الاتحاد سيوجه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الخاصة في إدارة الأمن الوطني... غير أن شيئا من ذاك لم يحدث. لقد انكشف الأمر...كان ذلك عام 1975. وفي مارس عام 1983 ساهمت في ندوة عقدها في تونس "منتدى العالم الثالث" في موضوع "الصحوة الإسلامية"، وكان البحث الذي أنجزته بالمناسبة بعنوان "السياسي والديني في المغرب : الدولة والعلماء والجماعات الدينية المعاصرة" (نشر في كتابي المغرب المعاصر...) حيث عرضت بشيء من التفصيل لتاريخ "الجماعات الإسلامية المعاصرة بالمغرب"، محللا واقعها آنذاك وآفاق مستقبلها، لأنتهي إلى الخلاصة التالية، قلت: "وإذن فالجماعات الإسلامية التي تطمح إلى إقامة "الدولة الإسلامية" في المغرب... لن تنجح في تأسيس وجودها وسط الجماهير، كقوة محركة للتاريخ، إلا إذا تبنت أهدافا سياسية واجتماعية تستجيب لمطالب الجماهير ومطامحها المادية والمعنوية معا. وإذا فعلت ذلك فإنها ستتحول لا محالة إلى حركة سياسية، وبالتالي سيتوقف نجاحها على مدى قدرتها على التجديد في ميدان الدين وفق متطلبات العصر، أي بصورة يصبح معها الخطاب الديني يحمل مضمونا اجتماعيا وسياسيا معاصرا... وبما أن القضايا الأساسية المطروحة اليوم في المغرب هي قضايا الحريات الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتنظيم العقلاني للاقتصاد والمجتمع والدولة من أجل الخروج من التخلف واكتساب أسباب القوة والمنعة، فإن أية حركة دينية تطمح إلى أن تتسلم قيادة المجتمع والدولة لا يمكنها أن تجد طريقا نحو النجاح nالنسبي أو الكلي- إلا إذا عرفت كيف تتبنى إيجابيا هذه القضايا، وكيف تجعل تفكيرها الديني يستوعبها ويقدم الحلول العقلانية لها... أما في الحالة المخالفة... فإنها ستظل هامشية قد تنجح في "الإخلال بالأمن" في هذا المسجد أو ذاك، في هذا الشارع أو ذاك، في هذه المدينة أو تلك، كما قد تنجح في "تصفية" هذه الشخصية أو تلك ... ولكنها لن تنجح في قيادة شعب يعتبر إسلامه شيئا مفروغا منه لا يحتاج إلى نقاش ولا يستسيغ التعددية الدينية ولا التمايز الديني" (المغرب كله سني مالكي).لقد رأينا من المفيد التذكير بهذه المعطيات قبل الكلام في موضوع الانفجارات الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 . وإذا كان من السابق لأوانه استخلاص نتائج نهائية أو شبه نهائية من حادث الانفجارات nفالتحقيق ما يزال جاريا- فإن هذا الحادث يطرح بإلحاح على الجماعات الإسلامية بالمغرب، كما على الدولة والمجتمع ككل، الوقوف وقفة تأمل تطرح فيها الأسئلة الضرورية التي تخص المدة الزمنية الفاصلة بين حادث الانفجارات وحادث اغتيال عمر بنجلون، خصوصا والأمر يتعلق بثمانية وعشرين سنة شهد فيها العالم تحولات هائلة انعكست على المغرب كما على مختلف الأقطار العربية والإسلامية.إن الأسئلة التي تفرض نفسها بالمناسبة لا تخص طرفا دون آخر، من الأطراف "الفاعلة" في المغرب، ولكن بما أن انفجارات الدار البيضاء تضع الجماعات الإسلامية، التي تتحرك في العلن وتساهم بصورة ما في الحياة السياسية المغربية، في وضع حرج يهدد مستقبلها السياسي، فإن السؤال التالي يفرض نفسه عليها بصورة أكثر إلحاحا: هل استفادت هذه الجماعات من دروس حادثة اغتيال الشهيد عمر بنجلون؟ وهل استطاعت فعلا تحقيق قطيعة تامة ونهائية مع الشرنقة التي أفرزت ذلك الحادث؟ وهل يمكن القول إنها اليوم مشدودة فعلا إلى مشروع مستقبلي مستقل يستجيب لخصوصية المغرب وحاجاته؟يمكن القول مبدئيا إن تحول عناصر أساسية كانت تنتمي بصورة أو أخرى إلى "الشبيبة الإسلامية" نحو العمل العلني داخل المشروعية القائمة كان حدثا مهما في حد ذاته، وكان يمكن أن يؤدي إلى تدشين قطيعة حقيقية مع ماض لم تكن هذه العناصر مسئولة عنه، على الأقل على صعيد التخطيط والتدبير، لكون معظمهم كانوا مراهقين أو شبانا يافعين. لكن الذي حدث هو أن هذا الفصيل عمد إلى اختيار غطاء سياسي nأو أملي عليه هذا الغطاء لا فرق- يقوي صلته ليس فقط بـ"الإرث" القريب الراجع إلى عملية اغتيال عمر بن جلون، بل أيضا بـ "إرث" بعيد لم يكن لهؤلاء الشبان فيه ناقة ولا جمل. قد يقال إن هؤلاء اضطروا إلى ذلك للحصول على الاعتراف الرسمي، وهذا في تقديري خطأ، فالوضع هنا كوضع "المستجير من الرمضاء بالنار"..! إن الحق في ممارسة السياسة لا معنى له تحت الوصاية! ومهما يكن فقد تحول ذلك الفصيل إلى طرف أساسي في حزب يحمل اسم "حزب العدالة والتنمية"، وقد حصل هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة على عدد هام من المقاعد، وصار يشكل أقوى فريق للمعارضة في مجلس النواب الحالي.أما الفصيل الإسلامي الآخر الذي عرف نشأة مستقلة عن الفصيل المذكور فقد بقي وفيا لأطروحة شيخه في مسألة شرعية البيعة. وبينما انتشر الفصيل السابق في أوساط الأساتذة والمعلمين (الذين يجمعهم به عامل السن والصحبة إضافة إلى أشياء أخرى) انتشر الفصيل الثاني أعني "جمعية العدل والإحسان" في أوساط الطلبة. لقد منع هذا الفصيل من تكوين حزب ولكن تركت له الحرية في احتواء الطلبة. لقد كانت "المصلحة" nمصلحة من يهمهم الأمر- تقضي الفصل بين الطلبة والحزب. وهكذا تركوا الطلبة في جهة يمنع عليها تشكيل حزب، بهدف "حرمان" الحزب، والأحزاب، من الطلبة. والنتيجة هي أن الطلبة بقوا "يناضلون" في ساحات الكليات برفع شعارات مكرورة لا تطال لا الحكم ولا سياسته ولا وضعية الطلبة ومطالبهم النقابية. هذا في حين أن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان منذ تأسيسه في أوائل الاستقلال إلى السبعينات يجسد استمرار حركة التحرير ويقوم بدور رأس الحربة في النضال ضد الاستعمار الجديد وزبنائه في المغرب.. هذا فضلا عن تحقيق مطالب نقابية هامة.. أما بعد أن فصل الطلاب عن الحزب والأحزاب فقد شغلوا بما شغلوا به من صراعات جانبية، فغابت المطالب النقابية والأهداف السياسية والاجتماعية.هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي نقد أو نقد ذاتي يتخذ موضوعا له الجماعات الإسلامية التي تعمل في العلن، سواء المعترف بها رسميا أو غير المعترف بها، لا يمكن أن يتجاهل تماما كون هذه الجماعات تعاني من ظاهرة عدم الانسجام وتعدد الرؤى والاستراتيجيات، سواء على مستوى علاقات بعضها ببعض أو على مستوى الوضع الداخلي لكل منها. وهذا يجعل السؤال التالي الذي يفرض نفسه إزاء موقف هذه الجماعات من انفجارات الدار البيضاء سؤالا لا يحتمل جوابا واحدا! إننا نعتقد أن وحدة السؤال في مثل هذه الأمور لا ينتج عنها ضرورة وحدة الجواب.أما السؤال فهو:ماذا كان موقف الجماعات الإسلامية، طوال الثماني عشرة سنة الماضية على اغتيال عمر بنجلون، من الانحراف الديني الذي يتمثل في الغلو في الدين، واتخاذ التطرف سبيلا ومنهاجا، وممارسة العنف، والطعن في إسلام مسلمين وتكفيرهم الخ، الانحراف الذي كان وراء انفجارات الدار البيضاء؟سؤال واضح لا اشتباه فيه. ولكن الجواب عنه سيكون فيه اشتباه بالضرورة. وبما أنني لا تتوافر لدي معلومات تعكس الحقيقة وتعبر عن الواقع فسأكتفي بعرض جملة احتمالات لاشيء يؤسسها غير الفرض التقدير.- الاحتمال الأول هو أن تكون الجماعات الإسلامية التي تنشط في العلن -أو بعض أفرادها على الأقل- قد قامت بـ "شيء" مما يوجب الإسلام القيام به ضد ذلك النوع من الانحراف الذي يستعيد ظاهرة "الخوارج" التي عانى منها الإسلام في القرن الأول والتي كان من الممكن أن يكون تأثيرها على مسار تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية أشد سوءا مما حدث لولا أن تجند علماء السنة لهم ولمذهبهم. غير أن هذا "الشيء" الذي يمكن أن تكون هذه الجماعات قد قامت به في هذا الصدد لم تتردد له أصداء تعرف به، لا في الصحافة ولا في خطب الجمعة ولا في الدروس ولا في الحملات الانتخابية... وإذن فأقل ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن هناك -على الأقل- تقصيرا إعلاميا من طرف الذين يكونون قد واجهوا ذلك الانحراف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تقصير يؤدي التيار الإسلامي كله ثمنه اليوم غاليا مع الانفجارات الإرهابية التي ذهب ضحيتها أبرياء جلهم من المستضعفين ...- الاحتمال الثاني هو أن تكون هذه الجماعات الإسلامية قد تهاونت، أصلا، في التصدي للانحراف بالدين والغلو فيه. وهذا تقصير ما كان ينبغي أن يكون وهي تعلم بدون شك مدى الأضرار التي تعرض لها الإسلام والمسلمون في العصور الماضية والعصر الحاضر بسبب التطرف والغلو في الدين. وأيضا لأنها ربما تعرف قبل غيرها أن من طبيعة التطرف أنه لا يستهدف الطرف الأقصى المقابل له على الخط بقدر ما يوجه سهامه إلى أقرب الأطراف إليه. ألم يحارب الخوارجُ علي بن أبي طالب، ومن أجل الانتصار للحق ولأصل قضيتهم كان قد نهض...؟- والاحتمال الثالث هو أن تكون هذه الجماعات nأو بعض أفرادها- قد سلكت أحد مسلكين: إما طريق الشخص الذي يقول لسان حاله "لم آمر بها ولم تسؤني"! آملا في الاستقواء أمام الخصوم السياسيين بهذا "الرديف" الذي "يحمي" الظهر! وإما طريق اليائس من العمل السياسي الذي يتطلب بطبيعته نفسا طويلا وتكيفا مع الأحداث، طريق الذي يمارس السياسة بدون الاعتراف بمنطق السياسة فيستعجل "النصر" ويلتمسه خارج ذاته ووضعه، وربما خارج بلده. وفي هذا نفي للذات واغتيال للمستقبل!مجرد مواقف محتملة. ولكن الشيء الذي يمكن القول عنه إنه شبيه بالمؤكد هو أن "الإسلام السياسي" في المغرب قد تعرض عقب حادث اغتيال الشهيد عمر بنجلون لانتكاسة خطيرة دام مفعولها أزيد من عشر سنوات. ولا شك أنه في المغرب سيتعرض لانتكاسة أعمق وأوسع ما لم يقم بحملة توعية ضد الإرهاب والعنف اللامسؤول يقيم بها البرهان لنفسه أولا على أنه قد استخلص الدروس الضرورية من تجارب توظيف الإرهاب في العمل السياسي، الدروس الذي يزخر بها حاضر العالم الإسلامي وماضيه منذ زمن الخوارج.محمد عابد الجابري2003-05-27أسئلة لم يطرحها الدكتورالجابريجريدة التجديد المغربية 06/06/2003 - العدد 674 حوار مع الدكتور عابد الجابري..على هامش مقاله: "في حاجة إلى النقد الذاتي"المقال الشيق الذي نشره الدكتور محمد عابد الجابري في عدد يوم السبت 23 ماي 2003 تحت عنوان: قراءة في انفجارات الدار البيضاء، في الحاجة إلى نقد ذاتي، وسؤال الجماعات الإسلامية في المغرب، وأعادت نشره الجريدة كافتتاحية "الاتحاد الاشتراكي الأسبوعي" أغراني لمناقشة الأسئلة التي طرحها وسيطرحها في سلسلة مقالات لاحقة على الأطراف السياسية الفاعلة في المغرب سواء كانت جماعات إسلامية أو أحزاب سياسية أو جمعيات أو نقابات أو دولة، مناقشة وتفكير بصوت مرفوع في أسئلته ومعها لا ضدها أو في سجال معها.وإذا كان الدكتور عابد الجابري قد اختار البدء بمساءلة الجماعات الإسلامية التي تمارس نشاطها في العلن سواء باعتراف رسمي من الدولة أو بغير اعتراف على اعتبار أنها من أقرب الأطراف إلى الحدث، أي حدث التفجيرات التي عرفتها يوم 61 ماي مدينة الدار البيضاء، وعلى اعتبار أن تلك الانفجارات تضع تلك الجماعات ـ حسب الدكتور عابد الجابري ـ في وضع يهدد مستقبلها السياسي؛ فإنه قد صرح منذ البداية أن الأسئلة التي سيطرحها في سلسلة المقالات المذكورة لا تخص طرفا دون آخر، وأن النقد الذي سيمارسه فيها نابع من منطلق اقتناعه بـ "ضرورة قيام كتلة تاريخية في كل قطر عربي، وفي العالم العربي ككل، من أجل إنجاز المهام التاريخية التي تفرضها المرحلة، مهام إرساء أسس الديمقراطية الحقة وتدشين انطلاقة قوية نحو القضاء على التخلف في كافة الميادين الفكرية والاقتصادية والعمرانية والسياسية.وأما الدافع إلى هذا التفكير مع الدكتور عابد الجابري فيرجع إلى سببين اثنين:أولهما أنه من منطلق فكرة الكتلة التاريخية التي ما فتئ يدعو إليها وعادت بقوة في هذا المقال فالأسئلة التي يطرحها هي أسئلة لإثارة التفكير المشترك ومساءلة تلك الحركات للإجابة على أسئلة محدودة ومنها: "هل استفادت هذه الجماعات من دروس اغتيال الشهيد عمر بن جلون؟ وماذا كان موقف الجماعات الإسلامية طوال الثماني عشرة سنة الماضية على اغتيال عمر بن جلون من الانحراف الديني الذي يتمثل في الغلو في الدين واتخاذ التطرف سبيلا ومنهاجا وممارسة العنف، والطعن في إسلام المسلمين وتكفيرهم الخ.. أي الانحراف الذي كان وراء انفجارات الدار البيضاء؟ هل استطاعت فعلا تحقيق قطيعة تامة ونهائية مع الشريحة التي أنتجت الحادث؟ وهل يمكن القول إنها اليوم مشدودة فعلا إلى مشروع مستقبلي مستقل يستجيب لخصوصية المغرب وحاجاته؟فالنقد والنقد الذاتي الذي يوجهه الدكتور عابد الجابري إذن لمختلف الأطراف بما فيها الحركة الإسلامية هو على حد تعبيره ليس من نوع نقد "الآخر" بل يتحرك داخل مفهوم الكتلة التاريخية التي تتجاوز الغيرية داخلها.ثانيهما أن الأسئلة التي طرحها الدكتور عابد الجابري هي أسئلة معرفية مفتوحة، وليست أسئلة إيديولوجية مغرضة على شاكلة "الأسئلة" الاستنطاقية البوليسية التي دأبت هذه الأيام على طرحها بعض الأقلام التي لم تعد تخفي أنها تندرج ضمن توجه استئصالي محدد المعالم، ومعروفة مكوناته، ومعروفة أغراضه الإيديولوجية والمتمثلة في انتهاز المناسبة لـ"تصفية الحساب" مع خصم سياسي وإيديولوجي لـ "حداثتهم" و"ديمقراطيتهم" المزعومة.. وإلا كيف تجتمع "الحداثة" و"الديمقراطية" مع الدعوة إلى الاستئصال؟!.ومما يؤكد الطابع المعرفي والمفتوح لأسئلة الدكتور الجابري أن صاحبها لم يقدم عليها جوابا مغلقا أو دوغمائيا بل أجاب عليها ضمن ثلاثة احتمالات لم يحسم في أي منها، معترفا أنه إذا كان السؤال لا "اشتباه فيه" فإن الجواب عنه سيكون فيه اشتباه بالضرورة ومعترفا ـ في تواضع العالم الباحث ـ أنه لا تتوافر لديه معلومات تعكس الواقع، وأنه تبعا لذلك سيكتفي بعرض حملة احتمالات لا شيء يؤسسها غير الفرض والتقدير.أما الاحتمالات التي طرحها الدكتور عابد الجابري:1 ـ الاحتمال الأول هو أن تكون الجماعات الإسلامية التي تنشط في العلن ـ أو بعض أفرادها على الأقل ـ قد قامت بـ"شيء مما يوجب الإسلام القيام به ضد ذلك النوع من الانحراف الذي ستعيد ظاهرة "الخوارج" التي عانى منها الإسلام في القرن الأول والتي كان من الممكن أن يكون تأثيرها على مسار تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية أشد سوءا مما حدث، لولا أن تجند علماء السنة لهم ولمذهبهم. غير أن هذا "الشيء" الذي يمكن أن تكون هذه الجماعات قد قامت به في هذا الصدد ـ والكلام دائما لعابد الجابري ـ لم تتردد له أصداء تعرف به، لا في الصحافة ولا في خطب الجمعة ولا في الدروس ولا في الحملات الانتخابية... إذن فكل ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن هناك ـ على الأقل ـ تقصيرا إعلاميا من طرف الذين يكونون قد واجهوا ذلك الانحراف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تقصير يؤدي التيار الإسلامي كله ثمنه غاليا مع الانفجارات الإرهابية التي ذهب ضحيتها أبرياء جلهم من المستضعفين...".2 ـ الاحتمال الثاني: هو أن تكون هذه الجماعات قد تهاونت، أصلا في التصدي للانحراف بالدين والغلو فيه. وهذا تقصير ما كان ينبغي أن يكون، وهي تعلم بدون شك مدى الأضرار التي تعرض لها الإسلام والمسلمون في العصور الماضية والعصر الحاضر بسبب التطرف والغلو في الدين. وأيضا لأنها ربما تعرف قبل غيرها أن من طبيعة التطرف أنه لا يستهدف الطرف الأقصى المقابل له على الخط بقدر ما يوجه سهامه إلى أقرب الأطراف..." 3 ـ و"الاحتمال الثالث هو أن تكون هذه الجماعات ـ أو بعض أفرادها ـ قد سلكت أحد مسلكين: إما طريق الشخص الذي يقول لسان حاله "لم آمر بها، ولم تسؤني، أملا في الاستقواء أمام الخصوم السياسيين بهذا "الرديف" الذي "يحمي الظهر! وإما طريق اليائس من العمل السياسي الذي يتطلب بطبيعته نفسا طويلا وتكيفا مع الأحداث، طريق الذي يمارس السياسة بدون الاعتراف بمنطق السياسة فيستعجل "النصر" ويلتمسه خارج ذاته ووضعه وربما خارج بلده. وفي هذا نسف للذات واغتيال للمستقبل."مناقشة هادئة في فرضيات الدكتور عابد الجابري:والفرضيات الثلاث على تفاوتها تطرح بكل وضوح مسؤولية الحركات التي تعمل في العلن. ولئن كان منطق النقد الذاتي الذي ينطلق منه الدكتور عابد الجابري ومنطق الكتلة التاريخية التي تجعل هذا النقد نقدا موجها إلى الذات بجميع مكوناتها، يفترض من جميع الأطراف وليس الحركات الإسلامية فقط أن تسائل نفسها عن حظها من المسؤولية في ما حدث ـ ولا شك أن في حقيبة الدكتور عابد الجابري أسئلة نقدية موجهة إلى الدول، والأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني والمدرسة والمسجد والأسرة ـ فإنني أميل إلى اعتماد الأطروحة الأولى مع بعض الملاحظات اللازمة لكنني سأناقش أساس الأطروحة الثالثة أي أطروحة الاستقواء بالجماعات المتطرفة:ـ أطروحة الاستقواءيفترض الدكتور عابد الجابري كما تبين من خلال ما أوردناه أعلاه أن الجماعات الإسلامية التي تعمل في العلن ويقصد هنا بالأساس حزب العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح من جهة والعدل والإحسان من جهة ثانية قد تكون سلكت مسلك الاستقواء بجماعات التطرف والغلو في الدين، وبما أن الدكتور عابد الجابري قد ساق هذا الاحتمال ضمن نطاق الفرض لا في نطاق الجزم، كما أنه لم يسق أي دليل لنفسها أو إثباتها فإنني سأبين سقوط هذه الفرضية كالتالي:1 ـ إن هذه الجماعات التي وراء الأحداث الأليمة مثلها مثل كل التيارات المتطرفة لا تمثل تيارات شعبية أو جماهيرية وإنما مجموعات هامشية داخل التيار العام للحركة الإسلامية. كما أنه لا مجال للحديث عن "استقواء" بها أمام الخصوم السياسيين وتقوية "الظهر" بواسطتها، لسبب بسيط هو أنها ـ أي الجماعات المتطرفة ـ لا تؤمن بالعمل السياسي الذي تمارسه الحركات الإسلامية التي تعمل في العلن وأصحابها غير مسجلين في اللوائح الانتخابية حتي يتوهم البعض أن الحركات الإسلامية تغازلها مثل حزب العدالة والتنمية حركات علمانية تصل في نظرتها إلى المشاركة في المؤسسات إلى أنها كفر كما تثبت ذلك أدبيات تلك الجماعات، والمثال على ذلك ما ورد على لسان أحد رموزها المسمى زكرياء الميلودي في الصحيفة عدد 100 بتاريخ 14 فبراير 2003 حيث قال: >لقد قلنا دائما بأن هذه الجماعات حين تعلن عملها في إطار ما تسميه بالمشروعية القانونية تقترف بعض الأمور التي تحولها إلى حركات علمانية شاءت ذلك أم أبت لأكثر من سبب ومن ذلك أولا:إقرارها بالقوانين العلمانية وهو ما يجعلها تفقد ومن أول لحظة مبرر وجودها ولا يبقى لها أي مستند للتواجد في الساحة بشكل طبيعي ومستقل كما لن تكون لها أي ميزة على غيرها. إن الهدف الذي تقول أنها جاءت لأجله هو إزالة الشرائع الجاهلية وتطبيق الإسلام وشريعته في كل نواحي الحياة. ولكنها لم تفعل شيئا إلا القبول بتلك الشرائع. والأصل أن المسلم يحافظ على دينه ونفسه من الشرك والكفر ولا يدخل على إسلامه ما ينقصه ولو اعتزل الناس إن لم يكن لهم خيار ولا مصلحة إلا في ذلك ولو اضطروا للإسرار بإيمانهم حتى يكرهوا على الكفر لكان الواجب عليهم فعل ذلك، فكيف يأتي الكفر عالما مختارا باسم مصالح لا يعتبرها الشرع وأعمال مهما كان صلاحها لا يقبلها الله تعالى إلا بتجريد التوحيد والاستقامة عليه.وثانيا: التزامها بالقانون العلماني عامة وقانون تأسيس الجمعيات خاصة، وهو قانون علماني في صياغته ومضمونه وكما في طريقة صدوره، وليس لمسلم أن يقبله ثم يعتقد مع ذلك أنه لا يزال على جادة الإسلام أما أن تكون الحركات الإسلامية التي تعمل في العلن أو بعض أفرادها قد سلكوا طريق اليائس في العمل السياسي الذي يتطلب نفسا طويلا وتكيفا مع الأحداث طريق الذي عايش السياسة بدون الاعتراف بمنطق السياسة فيستعجل "النصر"ويلتمسه خارج ذاته ووضعه وربما خارج بلده .." كما جاء على لسان الجابري فهو احتمال أضعف بل إني لست أفهم كيف سمح الدكتور الجابري لعقله الراجح ان يقول بهذا الاحتمال وذلك لسببين اثنين :-إن حزب العدالة والتنمية الذي هو أحد المقصودين بفرضيات الدكتور الجابري أبعد ما يكون عن حالة اليأس، وهو الذي خرج "منتصرا " من انتخابات السابع والعشرين من شتنبر، بل إن كثيرا من الأوساط تتخوف من "اكتساحه" للانتخابات الجماعية، ولعل ذلك هو السر الذي يفسر الحملة التي تستهدفه هذه الأيام. أكثر مما تستهدف تحليل الأسباب العميقة التي أدت إلى سقوط شباب صغار في براثن "الإرهاب".إن الأقرب إلى العقل هو أن يكون هذا الحزب مفرط الثقة في الذات ، والأقرب إلى التحليل المنطقي هو أن يكون المتضرر الأكبر من تنطعات الجماعات المتطرفة كما أشار إلى ذلك الدكتور الجابري نفسه، ولذلك لا يمكن بحال أن نتصور أن يرد على لسان فرد واحد من المقولة التي أوردها الدكتور أي مقولة " لم آمر بها ولم تسؤني"-أن حركة العدل والإحسان، وهو الطرف الثاني المقصود من خطاب الدكتور عابد الجابري ، أبعد ما تكون من اليأس من العمل السياسي ومن منطقه لأنها لم تدخل أصلا "اللعبة لسياسية " بقواعدها المتعارف عليها، ليس لكونها يائسة منها ولكنها لكونها ترى ـ حسب اجتهادها ـ أن شروط العمل السياسي من خلال المؤسسات غير ناضجة ومكتملة كما انه لايتصور في حقها الاستقواء بتلك الجماعات لهذا السبب ذاته، ولسبب ثاني هو أن الجماعات المذكورة ذات توجهات "سلفية" مناهضة للتوجهات الصوفية لزعيم جماعة العدل والإحسان السيد عبد السلام ياسين.ـ أطروحة التقصير الإعلامي والتاريخ الذي لم يقعيفترض الدكتور عابد الجابري في هذه الأطروحة أن الحركات الإسلامية العلنية قد قامت بما يوجبه الإسلام من قيام في وجه هذه الانحرافات، غير أن ماقامت لم تتردد له أصداء لا في الصحافة ولا في خطب الجمعة ولا في الحملات الانتخابية وإن هناك تقصيرا إعلاميا من لدن الذين يكونون قد واجهوا هذا الانحراف، وهو التقصير الذي يؤدي التيار الإسلامي كله ثمنه اليوم غاليا مع الانفجارات الإرهابية التي ذذهب ضحيتها أبرياء جلهم من المستضعفين .بالرغم من أنه من منطلق الشجاعة الأدبية لا يمكن أن نزكي أنفسنا أو نخرج أنفسنا من قسط من المسؤولية ذات الصلة بالتقصير الذي الدكتور عابد الجابري. إلا أننا نود التأكيد على مجموعة ملاحظات منها أن الدكتور عابد الجابري لم يقف بما يكفي عند التاريخ الذي لم يقع، والذي كان سيقع لو لم تظهر هذه الحركات، أقصد على الخصوص حركة الإصلاح والتجديد التي ظهرت، وأخص هنا بالذكر ذلك المجهود الفكري والتربوي والببيداغوجي والسياسي الذي قام به شباب كانوا في بداية الثمانينات في مقتبل العمر، وكان من المفترض فيهم ـ وهم في تلك السن ـ أن يكونوا وقودا ومادة للتطرف، لكنهم على العكس من ذلك قادوا حركة تصحيحة وفكرية بدأت مبكرا في الغرب بينما تأخرت عقودا عند بعض الحركات الإسلامية المشرقية وهو الذي جعل التجربة المغربية مضرب مثل ومصدر إعجاب في كثير من الدول الإسلامية ولدى كثير من الحركات الإسلامية.ولقد أشار الدكتور الجابري بحق بطريقة ضمنية، وكان منصفا، إلى ذلك التاريخ الذي لم يقع حين قال بوضوح: >يمكن القول مبدئيا بأن تحول عناصر أساسية كانت تنتمي بصورة أو بأخرى إلى الشبيبة الإسلامية نحو العمل العلني داخل المشروعية كان حدثا مهما في حد ذاته، وكان يمكن أن يؤدي إلى تدشين قطيعة حقيقية مع ماض لم تكن هذه العناصر مسؤولة عنه على الأقل على صعيد التخطيط والتدبير لكون معظمهم كانوا مراهقين أو شبانا يافعين.. ورغم الانتقاد الضمني للإطار السياسي الذي اختاره أولئك الشباب أولئك الذين قادوا عملية الانفصال عن الشبيبة بسبب مواقفها المتطرفة التي ظهرت بالخصوص بعد محاكمة سنة 1891، واتجهت إلى "الاختيار الانقلابي البلانكي" المقصود الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) على اعتبار أن ذلك ، ولكون هذا الإطار له علاقة (كذا) بالإرث الراجع إلى عملية اغتيال عمر بنجلون، رغم تأكيده أن أولئك الشباب لا ناقة لهم فيه ولا جمل، كما يقول الجابري، ورغم اعتباره لهذا الاختيار خطأ حسب تقديره، وهذا التقدير ليس موقع نقاشنا ويمكن العودة إليه في غير هذا المقال، رغم ذلك كله لم يظهر أن لدى الدكتور عابد الجابري مثل غيره ممن يتابعون شأن الحركات الإسلامية المغربية قصور أو تقصير في معرفة الأدبيات التي أنتجتها هذه الحركات منذ بداية الثمانينات في مواجهة فكر التكفير والعنف، وفي تأصيل خط المشاركة السياسية السلمية، والتأصيل للفكر الديمقراطي، سواء في العلاقات الداخلية أو في العمل داخل الواقع السياسي. وهو منشور في عدة دراسات وكتيبات وإسهامات في ندوات وموثق في عدة دوريات مغربية وغير مغربية، وهو منشور قبل أن تظهر هذه الجماعات المتطرفة وأولئك الشباب الذين سقطوا في حبالها، وتجدر الإشارة إلى أن مثل أولئك الشباب لا يقرؤون مثل تلك الأدبيات وليسوا في حاجة إليها وإلى عكسها كي ينخرطوا في هذا التوجه الذي سلكوه، ولكن ما هو مؤكد الشباب الذي قرأه وتأطر به ويمثل القطاع الأكبر من شباب الحركة الرسلامية قد اختار طريقا آخر أي طريق العمل السلمي وطريق الانخراط في العمل المؤسسي القانوني.ولنا أن نتصور التاريخ الذي لم يقع لولا تلك المبادرة المبكرة من لدن شباب في بداية الحياة السياسية، وكيف قادوا تجربة اندماج هادئ رغم الإقصاء المتواصل الذي بدأ منذ وقت مبكر برفض الترخيص لهم منذ سنة 1891 بالعمل كجمعية قانونية، وهو الرفض الذي استمر إلى سنة 2002، حيث عقدت حركة التوحيد والإصلاح أول جمع عام مرخص له من لدن السلطات، واستمر رلى غاية 1991، حيث رفضت السلطات الترخيص لهم بتأسيس حزب قانوني، (حزب التجديد الوطني)، دون أن يفل ذلك من عزمهم في البحث عن كافة السبل للعمل في إطار الشرعية القانونية، وهو الشيء الذي انتهى باندماجهم في إطار حزب الحركة الشعبية الديمقراطية الذي كان زعيمه الدكتور الخطيب الرجل الوحيد الذي امتلك الشجاعة السياسية لفتح حزبه في وجه هؤلاء الشباب سؤال يطرحه الدكتور الجابري.أسئلة لم يطرحها الدكتور عابد الجابريوفي مقابل عدم الوقوف عند ذلك التاريخ الذي لم يقع، وتفسير ضعف الاطلاع على الأدبيات التي أنتجتها تلك الحركات عما فيها حول موقفها من قضايا التكفير والعنف وقضايا التعددية والديمقراطية وقد نشرت فيها مجلة الفرقان ملفات متلاحقة، بمجرد تقصير أو قصور إعلامي في التعريف به، وفي ذلك جزء من الحقيقة بالنظر إلى ظروف الحصار والمنع والريبة والشك التي كان يواجه بها عمل هؤلاء الشباب وضعف الإمكانيات المالية والمادية، فإن الأسئلة التي تطرح نفسها ولم يطرحها الدكتور عابد الجابري على الشكل التالي: هل مسؤولية مقاومة ذلك النوع من الانحراف الذي يستعيد ظاهرة الخوارج يقع فقط على الحركات الإسلامية التي تعمل في العلن؟ وما مسؤولية المثقفين والمفكرين والأساتذة الجامعيين؟ وما مسؤؤلية الإعلام الرسمي بقناتيه والإعلام الحزبي والمستقل الذي لا تملك فيه كل تلك الجماعات إلا النزر اليسير؟ وما مسؤولية المساجد التي هي تابعة في أغلبها للحكومة؟ ..كيف تحول فجأة كثير من المنظرين والمفكرين الذين كان بعضهم يتبنى التحليل التاريخي والآخر التحليل البنيوي وثالث منهم التحليل الاجتماعي.. ورابع التحليل النفسي.. وخامس كان يستفيد من معطيات العلوم الإنسانية الحديثة، وأكثرهم كان يتبنى تعدد المقاربات المنهجية ويؤكد عل تعقد الظاهرة الإنسانية، كيف نسي هؤلاء فجأة مقارباتهم تلك كي يلجأوا إلى السباطة والاختزال ويحملوا المسؤولية فجأة لخطاب بعض الجماعات الإسلامية العلنية أو تقصيرها البيداغوجي والتواصلي وجعلوا من " " لخطاب التطرف مسؤولية غير مباشرة عن أحداث 16 ماي؟؟ما سر هذا الالتقاء الموضوعي بين خطاب حفنة من الاستئصاليين الذين يلمحون تارة في خبث ويصرحون دون حياء وهم يدعون الانتماء إلى الديمقراطية بحل حزب العدالة والتنمية أي أولئك الذين ينطلقون من أطروحة التفكير السياسي لحزب العدالة والتنمية والجماعات التي تعمل في العلن، ويدعون إلى طرده من دائرة "الجماعة السياسية" وبين خطاب الجماعات المتطرفة الذين يصفون خيار الجماعات المعتدلة ب "إتيان الكفر عالمين مختارين باسم مصالح لا يعتبرها الشرع" ويعتبون أن التزامها بالقانون العلماني وقانون تأسيس الجمعيات الخاصة وليس لمسلم أن يقبله وهو يعتقد أنه لا زال على جادة الإسلام" (انظرر تصريح زكرياء الميلودي أعلاه)ما سر إقصاء حزب العدالة والتنمية ورموزه ورموز الحركات الإسلامية المعتدلة والعلماء والدعاة من وسائل الإعلام والتعتيم على مواقفهم المدينة للعمليات الإرهابية؟لا شك أن الدكتور عابد الجابري سيكشف من خلال مساءلته النقدية لكافة الأطراف عن أكبر عملية تشويه للحقيقة في تاريخ المغرب الحديث ليس بسبب فقر في أدوات التحليل والقراءة، ولكن بسبب نقص فظيع في المروءة الفكرية والسقوط إلى أدنى دركات الدناءة السياسية، وهو السقوط الذي دفع البعض إلى البحث عن "كبش فداء" سهل يقدم قربانا للتغطية على مستويات ودرجات من المسؤوليات, سواء على الصعيد الأمني لأو على الصعيد السياسي أو التربوي والثقافي.المراجعة مسؤولية جماعيةلاشك أن الدكتور عابد الجابري، واعي تمام الوعي، ونحن متفقون معه في كون أحداث 16 ماي تفرض علينا مراجعة شاملة وتطرح على مجتمعنا المغربي أسئلة وجودية، ومنها أن الإرهاب لا وطن له ولا دين له ولا لون سياسي أو إيديولوجي له ولا انتماء طبقي له، خاصة وأنها في عصر العولمة والقهر الأمريكي للعالم، أي في عصر عولمة الإرهاب.لقد ضرب الإرهاب في نيورك, حيث يوجد أكبر جهاز للمخابرات في العالم, وضرب هناك حيث لا توجد جماعات إسلامية علنية كان عليها أن توضح موقفها من التطرف!! وحيث يمكن أن نجعل من تساهلها أو قصورها الإعلامي والتربوي أو سعيها للاستقواء بالتطرف من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية. وضرب هناك وفي غير نيويورك، وقبلها في عدة بلاد أوروبية ولم ينتظر خطابا يركب عليه، ولم يكن في حاجة إلى استغلال تقصير هذه الجهة أو تلك أو أو تهاونها، أو في حاجة لمن يستقوي به من أجل أن يظهر أو يضرب.. للإرهاب في عصر العولمة منطقة الخاص الذي يستعصي على التحليلات السهلة..ونحن نلاحظ في المغرب أن منطق الذين استغلوا أحداث 16 ماي في الدار البيضاء على طريقة "طاحت الصومعة علقوا الحجام" والذين صاروا يدفعون في أطروحة استئصال الحركة الإسلامية بجميع أشكالها انطلاقا من مقولة ساقطة "ليس في القنافذ أملس"، وذهب بعض متطرفيهم وغلاتهم إلى إلقاء المسؤولية على الثقافة واللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، لا يختلف عن منطق اليمين الأمريكي المتطرف والإعلام الأمريكي المتصهين الذي استغل أحداث الحادي عشر من شتنبر من أجل استهداف الإسلام والمسلمين في العالم كله، ومن أجل تنفيذ أجندة سياسية كانت معدة سلفا قبل الأحداث لإعادة تشكيل خارطة العالم العربي الإسلامي، تحت ذريعة مقاومة الإرهاب وباسم نشر قيم الديمقراطية والحرية وحلفاؤهم الموضوعيون في ذلك "الجماعات المتطرفة" والخاسر الأكبر فيها هو صورة الإسلام والمسلمين، والمستهدف الأكبر هو خط الاعتدال في العالم الإسلامي والورقة المستخدمة في ذلك هي ورقة دعاة الفتنة أي دعاة الاستئصال.ولقد لاحظ الجميع وسار الشارع يتحدث كيف أن الاقصاء الإعلامي الذي استهدف حزب العدالة والتنمية كان قد بدأ قبل أحداث 16 ماي كما تابع الشارع المغربي بذهول كيف تحركت الآلة الإعلامية الرسمية وأقلام وجوقة من الصحف المكتوبة المعروفة بتوجهاتها وارتباطاتها في حملة إرهابية ظالمة تجاه حزب العدالة والتنمية والجماعات الإسلامية، وكيف أدى ذلك إلىخلق حالة من الإرهاب النفسي والفكري عند عموم المواطنين والمواطنات من المتدينين ونشأت حالة شبيهة بأجواء الحادي عشر من شتنبر في الولايات المتحدة لم يسلم منها "الشيخ" وكل من له ملامح وأصول عربية أو إسلامية. ومن تم يطرح سؤال كبير حول السر في هذا التجييش وأهدافه ومن وراءه ومن المستفيد منه.ومن هذا المنطلق لا أتردد في أن أرى في أحداث 16 ماي مؤامرة على الإسلام في المغرب سوعلى خط الاعتدال، ومن ثم لا أتردد في أنها مؤامرة تستهدف استقرار المغرب وجره إلى "الفتنة"، وحتى إذا لم يكن ذلك واردا في أذهان الذين نفذوا وربما أولئك الذين خططوا فإن أولئك الذين سعوا إلى استغلالها إلى أقصى حد ممكن في اتجاه التحريض على الاستئصال متآمرون على المغرب ووحدته

 

استطلاع الراي

الغاء دائرة مولاي يعقوب بسبب الإساءة الى رئيس الحزب في الحملة الانتخابية قرار :

يسهم في تخليق الحياة السياسية والحملات الانتخابية - 61.4%
سعي لإظهار حياد المجلس بعد الغاء مقعد سيدي أيفني - 11.2%
قرار عادي وتطبيق للمقتضيات القانون التنظيمي لمجلس النواب - 22%

Total votes: 1394
The voting for this poll has ended on: يونيو 20, 2016
في الاستماع اليكم

الموقع الرسمي للأستاذ محمد يتيم © 2024
Développé par NOOV