فكرة الخلود كامنة ضمنيا في نفسية الانسان وسلوكه وطريقة تفكيره . يتصرف الانسان ويسلك وكانه سيعيش أبدا ولذلك تجده بكدح ويعمل ويسعى للتملك والسيادة والسيطرة حتى وهو على خطوة من قبره .
يفكر دائماً بطريقة تراكمية عمودية اي انه يسقط ذاته في مستقبل ابدي وكانه مستقبل ممتد لا ينتهي ويفكر وكانه سيعيش في القرن القادم وفي الذي يليه والذي يلي الذي يليه وهكذا .... لا يستحضر انه يقترب من حتفه يوما بعد يوم ، بل ان الزمان يتوقف في حسه قبل ان تفاجئه تجاعيد الوجه ووهن الجسد واشتعال الشيب .
يفزع اذا تذكر انه قد بلغ الخمسين او الستين وانه في نهاية المنحذر العمري وان الانزلاق في هذا المنحذر أسهل بكثير من الصعود في المنحنى الصاعد للعمر خلال ايام الفتوة والشباب . لذلك تكبت فكرة الموت وفكرة النهاية وفكرة دنو الأجل ويغفل الأمان عنها.
يعيش الانسان بهذه الطريقة على امل كاذب انه سيحقق في العمر عدة أحلام وطموحات ، ويستمر مقاوما ومكابرة الى اخر لحظة ليس من باب غرس فسيلة عند قيام الساعة ولكن وهما بإمكانية الخلود
ماذا لو حاولنا التفكير بطريقة مختلفة اي ان ننطلق من النهاية ونستخدم الاستدلال التراجعي ؟ récurrence ؟
ماذا لو قلبنا شعورنا وتفكيرنا واستحضرنا حقيقة ما سنكون عليه بعد عقدين لمن هو في عقده العاشر لمن عمر قرنا كاملا او ثلاث عقود لمن عمر تسع عقود ؟ ليفكر من هو اليوم في عقده السادس في وضعه وحقيقته سنة 2050 ?
ليتخيل احدنا نفسه وقد عادت اليه روحه في قبره مباشرة بعد ان سجي التراب؟ ليقم الواحد منا بعملية إسقاط لتفكيره وحياته على هذا المستقبل ليس بنفسية الخلود الذي ينشا مثلا عما يملكه من أموال او جاه او سلطان ف" يحسب ان ماله أخلده " فيقف عند حقيقة " كلا لينبدن في الحطمة " اذا كان من اهل الشقاوة ؟
سيتغير آنذاك تقييمه للامور . سيعيد ترتيب الامور فيما تبقى من حياته
سيتمنى في نفسه بشعور المنتهي الزائل بعد ان ارتفع عنه حجاب أمنية الخلود لو كتب له ان يستأنف حياته طريقة جديدة وعزم جديد ويصحح كثيرا من الامور التي ليست على ما يرام كما ورد في القران : " حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة قائلة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون "
كان بعض الصالحين من السلف يروض نفسه على هذه الطريقة من التفكير اي تخيل نفسه في الحياة البرزخية منتظرا يوم البعث ويقرأ الآية أعلاه بان يرقد في قبر ليتخيل نفسه ميتا ، ثم يقوم فيقول :" يا نفس ها انت قد رجعت فاعملي صالحا "