محبة الرسول صلى الله عليه وسلم متأصلة في الوجدان الديني المغربي ، وفيها ألفت عشرات بل مئات من قصائد الملحون . وفي كلام "الغيوان" الذي غرف من قصائد الملحون كثيرا وأعاد تأديتها بإيقاعات غيوانية احتل مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والشوق إلى بيت الله الحرام و زيارة قبره صلى الله عليه وسلم مكانة مرموقة وابدع "الغيوان" معزوفات رائعة كما نجد في قصيدة " الله يامولانا .
تبدأ القصيدة كما هو الشأن في كثير من قصائد الملحون بمدخل فيه مناجاة لله سبحانه وتعالى . والغريب في الأمر أن هذا المدخل يكاد يكون عاما حتى في قصائد غزلية أو تتناول أغراضا آخر ى مما يبين عمق الإحساس الديني في الوجدان الشعبي المغربي حتى في حالة سلوكات قد تكون مخالفة لأوامرالشريعة .
أما المناجاة في مطلع قصيدة الله يا مولانا فتشير إلى سعة العلم الإلهي واطلاعه على حال المتكلم المتضرع معددة الصفات الإلهية كصفة الحياة والبقاء ( الحي الباقي) وآلاءه ونعمه وفضله فبه عمرت السواقي وبأنواره تتحقق الهداية ورعاية استقامة المخاطب على أمر الدين ، ومن ثم يتوجه المتكلم المناجي له بالدعاء سائلا إياه أن لا يجعله من الأشقياء . وبطبيعة الحال يظهر هنا مظهر من مظاهرالتدين المغربي وتظهر قضية التوسل بالصالحين الذين هم الصوفية في عرف الوجدان الديني المغربي ، وهو أمر توقفت عنده طويلا الحركة السلفية المغربية تأثرا بالحركة الوهابية . وهكذا تقول القصيدة في مطلع متخشع :
الله يا مولانا حالي ما يخفاك يا الواحد ربي
سبحان الحي الباقي سبحانك ياإله جود أعليا
بك عمرت السواقي ونحلتي في نواورك مرعية
ولا تجعلني شاقي حرمة ودخيل ليك بالصوفية
بعد ذلك تكسف القصيدة عن لوعة كبيرة وشوق فياض إلى زيارة الكعبة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، مبزرا محبة فياضة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم . فإذا كان الناس قد زاروا محمد وتشرفوا بذلك وذهبوا إليه فهو ساكن في قلب الشاعر ، وإذا كان الناس قد ذهبوا إليه ركوبا فالشاعر من فرط المحبة سيذهب إليه راجلا . ويشهد الشاعر الملائكة وجبريل ( الروح ) وحملة العرش وحفظة اللوح على محبته ولوعته بالرسول القرشي مؤكدا أنه لا لوم عليه في هذه المحبة وأن من جرب جربته وذاق ما ذاقه كف عن لومه , تقول القصيدة :
النبي ياجيرانــــــي لو صبت الزاد من غذت نمشي ليه
نشاهد نور اعياني ونطوف بالكعبة نزورها ونولي
يازوار النبـــــــــــي لله ديوني نزور معاكم
ـمولاي محمـــــــــد آداوينا أبو عمامة خضرة
الناس زارت محمد وانا ساكن لي في قلبي
الناس زارتوا بالمركوب وانا نمشي له على رجلي
الله الله الله
جيت زاير ومعبد السيد الرسول العربي
الله الله الله
سال لملايك سال الروح سال حمال العرش
الله الله الله
سال حفاظة اللوح قلبي مولع بالقرشي
الله الله الله
من لايمني ف هاد الحالة انبيع له يشري مني
الله الله الله
أنبيع له بيع المحتاج وإلى جرب يعذرني
الله الله الله
كلام الغيوان في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
تجدر الإشارة إلى أن مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم مثله في ذلك كثل مناجاة الله سبحانه والتوجه إليه بالدعاء يكاد يكون حاضرا ومتخللا أغلب قصائد الغيوان ومتلبسا بأغراض أخري مثل النقد الاجتماعي والسياسي وحتى الغزل والتشبيب بالمرأة .
وفي الاتجاه المعاكس فإن القصائد المخصصة لمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تخل من إشارات سياسية منتقدة لعلاقة التسلط والتبعية والمتبوعية ولواقع الاستكبار العالمي والعدوان الصهيوني والدعوة إلى الانتفاضة على الظلم .
وهكذا ففي قصيدة " مزين مديحك " نقف على تركيبة ثلاثية للقصيدة : المقطع الأول فيه بيان لفضل مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حيث هو عمل لا تعدله تجارة وخير من مال الدنيا ومن زينة الدنيا وأن الشاعر لا يرجو بمحبه للمختار سوى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا يقول المقطع الأول :
مزين مديحك
ما كيفه تجارة يا رسول الله
مزين مديحك
يالمير ف الشتا والكس كثير
مزين مديحك ,, يا بو فاطمة
خير لي من مال الدنيا يا رسول الله
خير لي من مال الدنيا واللي تهيل عليه
خير لي من زين الدنيا اللي ذاك وذاك شبيه
آه ورجايا غير فيك ياربي بالنبي تلكيني
أما المقطع الثاني فثناء على الحق سبحانه وتعالى بسعة علمه وقدرته وقربه من عباده وسرعة استجابته ، فبين حرف الكاف والنون أي بكلمة كن هو قادر على أن يفعل ما يشاء ويقضي ما يشاء حتى إذا أراد إنطاق الحجر الصم أنطقه فما بالك بالاستجابة للعبد وما بلك بقدرته على كشف الضر وإخراج العبد من الشدة والمحنة
أما المقطع الثالث فينتقل بنا إلى موضوع أخر أي موضوع الظلم والاستبداد والاستكبار الصهيوني ، إذ يبدأ الشاعر بالتساؤل عن سر سيادة الليل ( رمز الظلم)وتغطيته لإرادة الإنسان وحريته وقدرته على المبادرة وعن انقلاب الوضع العربي من العزة والكرامة والريادة إلى التبعية والذل مستنهضا همة الإنسان العربي المسلم في مواجهة الظلم الصهيوني متسائلا عن ذنب المدن الفلسطينية التي عانى أهلها من التقتيل والتهجير الجماعي مثل عكا ويافا , ثم تختتم القصيدة ببيان ما صاحب الاستكبار الصهيوني من ظلم وعلو ومحذرا من أن الصبر على الظلم والهوان لن يزيد ذلك الإنسان إلا هوانا وأن السكوت الظلم لن يزيد الظالم سوى استعلاء واستكبار وأن الإنسان العربي الحر لا يمكن أن يسكت على هذه العلة ومن ثم يدعو العرب إن كانوا أحرارا إلى الثورة والانتفاضة . وهكذا يقول المقطع الثالث :
وا ديني يا ديني أشنه غطاك الليلي
ياخيي ياخيي اشنه غطاك الليلي
عيد لي اخبار البارح راه كلبي مجروح
البارح كنتي سارح واليوم راك مسروح
اشنه ذنب يافا وحيفا وعكا
ياك غلبو ماعفو ياك ثقلوا ما خفو
ياك عذبونا وكلفوا يادايني يادايني
صبرك على الذل خيي ما يزيد غير مذلة
وإلى سكتي خيي عل الظالم زاد تعلا
وإلى كنتي حر خيي زول هاد العلة