تضادا موهوما وصراعا مزعوما بين القيم الدينية والقيم الجمالية ، بين الدين وبين الفن ، هذا على المستوى الفلسفي والنظري .
أما على المستوى العملي فيزعمون أنه لا تلاقي بين الإبداع الفني الذي هو مجال الحرية وبين الدين الذي هو مجال الإيمان ومجال الخضوع لأحكام متعالية مفارقة لا تأخذ بعين الاعتبار أحاسيس الإنسان الجمالية، بل إنها تكبلها بقيود أخلاقية غليظة تكبت الفطرة والذوق ، وأن الفن والإبداع من جهة ، والتدين والأخلاق من جهة ثانية ضدان لا يجتمعان وخصمان لا يصطلحان ، وأنه حيثما قوي أحدهما ضعف الآخر ، وأن انتعاشة الأول تكون على حساب الثاني .
ولعل البعض منها يستشهد بمقولة الأصمعي : " أعذب الشعر أكذبه " ، وبنظريته في ضعف الشعر في العصر الإسلامي ، كما أن البعض الآخر قد يجد في قوله تعالي : " والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين وعملوا الصالحات وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
وقد يستدل البعض الآخر من بعض قصيري النظر من المسلمين ببعض المواقف الفقهية التي ذهبت إلى تحريم الغناء والمعازف والتصوير، وبعض الجدل الذي ظهر حول مشروعية التمثيل وخاصة تمثيل المرأة ،كما قد يستدل خصوم الإسلام أو بعض المسلمين المستلبين بتلك المواقف الفقهية وبعدم احتضان الحضارة لفن المسرح أو وراثته عن الإغريق ومن ثم عدم تطويره على غرار غيره من العلوم مثل الفلسفة والمنطق والطب والفلك والطبيعة .
والواقع أن تأملا بسيطا في الرؤية الإسلامية للإنسان والحياة من خلال القرآن والسنة ، ولطبيعة تصورهما للعلاقة بين الركائز الكبرى المؤسسة للقيم في خطاطتها الكبرى المعروفة في تاريخ الفلسفي والتي استقرت على الثلاثية القيمية : قيمة الحق التي اهتم بها علم المنطق ، وقيمة الخير التي اهتم بها علم الأخلاق ، وقيمة الجمال التي اهتم بها علم الجمال أو الإستطيقا ، ثم للممارسة الحضارية الإسلامية في عصور النهضة الإسلامية ، إن ذلك التأمل سيكشف مركزية قيمة الجمال ومن ثم أهمية ودور الفنون كمدخل من مداخل إثبات العقيدة وبنائها ، وكون الدليل الجمالي هو أحد أنواع الاستدلال الفطري الذي اعتمده الإسلام في بناء العقيدة ، وأحد أركان الخطاب القرآني إلى الإنسان ، وأن ذلك يكشف أن المكون الجمالي مكون فطري ، وأن الذوق الفني والحاجة الجمالية لا يقلان عن الحاجات البيولوجية الأساسية عن الحاجات الروحية ، وأن الإسلام قد عني بالاستجابة لها عنايته بالاستجابة لغيرها من الحاجات .
ونرى لزاما لإبراز دور القضية الجمالية ومن ثم دور الفنون في الرؤية الإسلامية للكون والحياة التوطئة لذلك ونوطئ لذلك بعدة مقدمات منها
1 ـ التصور الإسلامي للإنسان ومداخل الإدراك والمعرفة عنده
2 ـ الوقوف عند أنماط الاستدلال المنطقي كما تبلورت عبر تطور المعرفة البشرية
3 ـ خصوصيات الاستدلال القرانى ومراعاته للفطرة الإنسانية وطبيعة التكوين المركب للإنسان
4 ـ الدليل الجمالي في القرآن
5 ـ خلاصات حول قيمة الجمال في الإسلام وعلاقتها بالموقف من الفن والممارسة الفنية