مقدمات
في حياة التنظيمات محطات ترتكب فيها أخطاء ، لكن قد يترتب عن محاولة معالجتها الوقوع فيما هو اقبح الا وهو الخطيئة . الخطأ هو نتيجة عن سوء تقدير أو سوء تصرف يشوب قرارا أو تصريحا من أحد اعضاء التنظيم او منه كله ، اما الخطيئة فهي خطأ فادح او خطا جسيم يرتبط بالمنهج ويمس به في الصميم أي خطأ يمس قواعد العمل ومرتكزاته الأساسية .
الفرق بين الخطأ والخطيئة إذن أن الخطأ سوء تقدير أو سوء تدبير داخل قواعد العمل المعتمدة داخل المنظمة ، في حين أن الخطأ ضرب لقواعد المنهج وأسس العمل ، ولذلك فإنه إذا كانت أضرار الأخطاء محتملة فإن ضرر الخطايا كبير وخطير ، ومضاعفاتها أصعب في المعالجة من معالجة الخطابا لأنه في حالة الأخطاء يبقى المنهج قائما أي أن ميزان المعالجة يبقي سليما في حين تمس الخطايا بالمنهج ذاته ومن ثم فإنها تؤسس لحالة مستمرة من إنتاج الأخطاء ، ولهذا سميت في الأدبيات القديمة ب :" الفتنة " لأنها تؤدي إلى البلبلة لدى عامة الناس وقواعد المنظمات لغياب المقياس الموضوعي ، والمس بمعايير العمل ومعايير تقييم الأداء ، واستباحة المخالفة وتقديم سوابق قد ينسج عليها لاحقون بدعوى أنه قد سبقنا إليها من فلان أو علان .
لذلك ففي تقييم موقف جماعي او فردي و قبل تحليل وتقييم وقائع ومواقف يقع فيها الاختلاف داخل تنظيم معين تبدو الحاجة ماسة إلى التذكير بما سميته بقواعد المنهج أي تلك القواعد االتي تحفظ تماسك المنظمات و قوتها ووحدتها والتي يوشك لو وقع اختراقها أو لو وقع التسامح مع ضربها أن لا تقوم معها للمنظمة قائمة . ولعلي أوفق في بسط هذه القواعد منها :
1 ـ قاعدة النسبية في التقدير للصواب في مجال العمل السياسي والنقابي وتداخل المصالح والمفاسد في قضايا السياسة والعمل النقابي والجمعوي على العموم وأنها قضايا ظنية وليست قطعية ،وهو ما يترتب عنه أن العمل السياسي والمواقف فيه نسبية ومتغيرة واجتهادية ، وما من موقف إلا وتختلط فيه المصالح والمفاسد والترجيح بينهما في هذه الحالة صعب وليس كل الناس قادرين فيه دوما وفي كل وقت أن يكونوا قادرين على تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، لأنه داخل في مجال السياسة الشرعية أي في مجال الترجيح بين المصالح والمفاسد وبين المصالح والمصالح وبين المفاسد والمفاسد أي كيف يتم جلب المصالح وتفويت المفاسد أو كيف يتم تفويت المصلحة الدنيا من أجل مصلحة أعظم منها ، وكيف يمكن تفويت مفسدة أكبر مع تحصيل مفسدة أصغر، وهذا كما يقول ابن القيم معترك صعب ومرتقى ضنك وباب من أبواب العلم ومزلة أقدام ومضلة أفهام وباب من أبواب العلم ليس ميسرا لأي كان ؟
2 ـ قاعدة أن من أهم ما يرفع الرأي المرجوح إلى درجة الرأي الراجح هو وحدة الكلمة والاجتماع على الرأي الواحد بغض النظر عن ضعفه أو قوته .
وأقصد بهذه القاعدة أن الاجتماع على رأي ضعيف أو مرجوح أفضل من التفرق على رأي قوي أو مرجوح ، شرط أن يكون الرأي صادرا بطريقة شورية وديمقراطية ، فوحدة الكلمة تقوي الاجتهاد الضعيف وتباركه في حين أن الرأي الراجح إذا لم يتبين رجحانه للأغلبية هو راجع في عين الأمر وليس راجحا في مآله وفي واقع الحال ، إذ عدم تبين الأغلبية لرجحانه وعدم الامتثال له من قبل الجميع يضعفه وإن كان راجحا في نفس الأمر . وهذا مفهوم لأن الرأي الراجع قد ينتهي بالصبر على شرحه وبيانه قد ينتهي بأن يتضح للغالبية ويأخذ مكانه . هذا إذا كان راجحا فما بالك إذا كان مرجوحا وسلك فيه صاحبه مسلك الخلاف ومخالفة القواعد الأساسية للعمل المؤسساتي .
3 ـ قاعدة الاحتراز عند الاشتباه وعدم اتضاح المعطيات أو عند احتمال وقوع مفسدة كبرى قد ترجح على المفسدة الحاصلة من عدم الاحتراز . فإن مبدأ التحوط والاحتياط مهما ترتبت عنه من مفاسد لا تصل إلى مفسدة عظمي غير قابلة للاستدراك منهج يأخذ به العقلاء ، فإن تعطيل مصالح قابلة للاستدراك أولى من المغامرة في قرارات قد تترتب عليه مفاسد عظمي لا يعود هناك مجال لدفعها .
4 ـ قاعدة الرأي حر والقرار ملزم أو قاعدة الحرية الفكرية والانضباط المؤسساتي أي أن العضو ينبغي أن يعبر بكل حرية وصراحة عن مواقفه وقناعاته داخل الاجتماعات في مساندة فكرة أو موقف أو مشروع قرار أو تقييم أعمال أو أداء ، لكن ومهما كان مخالفا لما صدر عن الاجتماع بطريقة صحيحة فإن الالتزام بالقرار الصادر هو من أسس الضامنة لقوة المؤسسة ، ومصداقيتها ، وأن لا يتصرف بتصرف مخالف أو يحرض على العصيان ، وذلك ما عبرت عنه السنة النبوية بالطاعة في المنشط والمكره ، أي أن الالتزام لا يكون فقط عندما يكون القرار متوافقا مع رأي أو موقف الشخص فحين ذاك ينشط للقرار ويتحمس له ، وحين يكون مخالفا لرأيه أو لهواه أي حين يكون كارها فإنه يرفضه ويقاومه ، فإن في ذلك هدما لأساس متين من أسس الاجتماع .
5 ـ قاعدة الإقرار بنتائج التصويت الديمقراطي سواء تعلق الأمر بالتصويت من أجل اتخاذ القرارات أو التصويت من أجل اختيار الأشخاص ، وهي قاعدة من القواعد المعمول بها في الدول والمؤسسات الديمقراطية إذ أنه بمجرد ما تظهر نتائج الانتخابات أو التصويتات حتي يبادر الطرف الآخر إلى الإقرار بنتائج الاقتراع وإلى تهنئة منافسة في حالة إذا كانت المنافسة متعلقة بمنصب أو مسؤولية . والاكثر من ذلك الالتزام بالقرارات الجارية التي تصدر عن مسؤول مخول بتدبير شؤون المنظمة بين الانعقادين
6 ـ قاعدة النضال من خلال الآليات القانونية والمؤسساتية المعتمدة في الاعتراض على المخالفات الصادرة عن المسؤولين أو عن تجاوزاتهم أو أخطائهم ، فإن الخطأ في التدبير أو التقدير أو تجاوز الصلاحيات والاختصاصات وارد في تصرفات المسؤولين ، لكن الدم لا يغسل بالدم والخطأ لا يرفع بالخطيئة ، أو من خلال المس بالقواعد الأساسية للعمل . ذلك ان خرق القواعد الاساسية للعمل والخطأ فيها اخطر من الخطأ التقديري في تطبيقها لان الأخطاء التقديرية يمكن مراجعتها من خلال القواعد المنهجية والمؤسسية والقانونية بينما ضرب هذه القواعد يفتح بابا لا يغلق أبدا وقد يتحول الى سابقة سيكون ضحيتها أولئك الذين قاموا باول خطوة في اتجاه توهينها والجرأة عليها
وليس في مراجعة المسؤولين او القرارات الصادرة عنها ما يضر بها بل إنه يقويها ويؤكد قوتها ، وكيف لا والصحابة رضي الله عنهم راجعوا رسول الله صلى عليه وسلم في عدد من تقديراته كما هو الشأن في اختياره لموقع الوقوف بالجيش في غزوة بدر وغيرها من الحالات . وفي حالة إذا قدر أن قيادة المنظمة قد أساءت إلى الحزب في موقف من المواقف إساءة تمس بمشروعه العمل من خلال الآليات المؤسسية على محاسبتها أو إقالتها من خلال الهيئات ذات الصلاحية
7ـ قاعدة حسن الظن وأن الأصل في تصرفات الإخوة قيادات وقاعدة الحرص على مصلحة البلاد ومصلحة الحزب ، وأن نتعامل مع كل عمل أو إجراء أو موقف منهم بإحسان الظن والابتعاد عن التخوين أو الاتهام في النوايا أو التشكيك في الدوافع لأن عالم الدوافع والموانع النفسية عالم غيبي والرجم فيه بتأويل إنما هو رجم بالظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
8 ـ قاعدة المسؤولية ونعني بها المسؤولية عن الأقوال والأفعال والمواقف ، بما يعنيه ذلك من تقدير أن ما يصدر عنا مسؤولين أو مناضلين من تصريحات أو بيانات لها آثارها على المنظمة وعلى منتسبيها وأعضائها وعلى البلاد والعباد كافة وأن هذه المسؤولية تقتضي التدبر والتفكر وعدم التسرع وعدم الخضوع للعواطف والانطباعات ، وأنها تقتضي القيام بالواجبات المرتبطة بالعضوية داخل المنظمة خاصة في الأوقات الحرجة والصعبة مثل حضور اجتماع حضور الهيئات المسيرة والمقررة ، والمسؤولية في إبداء الرأي فيها بكل نزاهة فكرية والمسؤولية بالتصويت حسب ما يمليه الضمير....إلخ
9 ـ قاعدة النزاهة الفكرية والاستعداد للرجوع إلى الصواب إذا تبين وعدم مجابهة الهيئة بمواقف مسبقة جاهزة . وذلك لا يعني أن لا يكون للفرد مواقفه وتحاليله المنسجمة مع شخصيته وطبعه أو مع ثقافته ومصادره ومخالطاته ، ولكن يعني أن تكون للفرد قدرة على الاستماع ومراجعة مواقفه ، والقدرة على مراجعة تلك المواقف والانتقال إلى مواقف أخرى إذا تبين رجحانها . وتنطبق هذه القاعدة أيضا بالرجوع إلى الصواب إذا تبين ومراجعة الأخطاء أو الخطايا والإقرار بها ، واستخلاص ما ينبغي استخلاصه منها .
10 ـ قاعدة الامتناع عن اللجوء إلى وسائل أخرى غير الوسائل المؤسسية في الدفاع عن الرأي مثل اللجوء إلى التسريبات الصحفية من أجل الضغط من أجل استصدار قرار أو التأثير في عمل هيئة .