تستعد حركة التوحيد والإصلاح لعقد جمعها العام الوطني الخامس شهر غشت القادم، تحت شعار "الإصلاح تعاون ومسؤولية". ويعد هذا الجمع محطة هامة لتقييم أدائها ومشروعها المجتمعي ورسم خطط وتوجهات المرحلة المقبلة. وفي هذا الصدد تتناول "التجديد" في هذه الصفحة الأسبوعية ملفات ذات الصلة بمشروع الحركة وتوجهاتها وستطرح للنقاش مسألة التجديد عند حركة التوحيد والإصلاح، وذلك في ثلاث حلقات، ننشر في الحلقة الثانية "معالم التجديد المنهجي للتوحيد والإصلاح".
مقدمات منجهية
قال محمد يتيم المفكر والقيادي الإسلامي إن حركة التوحيد والإصلاح ليست سوى تعبير من تعابير الصحوة الإسلامية في موجتها الثانية التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، واعتبر أنها تجديد ديني أو حركة إحياء ديني. وأكد يتيم أن البحث في معالم التجديد الفكري والمنهجي لحركة التوحيد والإصلاح يقتضي استحضار بعض المقدمات المنهجية التي يرتبط بعضها بسياقات نشأة الحركة بمختلف الروافد التي كونتها سواء منها الموضوعي أو التاريخي أو منها الذاتي المرتبط ببنيتها وتكوينها في هذا السياق.
أولا التأخر الزمني عموما لنشأة الحركة الإسلامية المغربية -أقصد هنا- كإطار تنظيمي حركي بالمقارنة مع حركات إسلامية مشرقية وهو تأخر مكن من التأمل والقراءة في التجارب السابقة والاعتبار بها فالنظر في التجربة المشرقية والاعتبار بها بل نقدها أحيانا واستخلاص الدروس والعبر من العوامل.
ثانيا السياق السياسي والجيو استراتيجي حيث أن المغرب الأقصى على الأقل لم يكن يوما من الأيام جزءا من دولة الخلافة بل كان دولة قائمة الذات ومن ثم لم يعش بنفس الحدة صدمة سقوط دولة الخلافة بل كانت قضيته في هذا المجال هي النضال الوطني من أجل استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنية واسترجاع من كان يرمز إليها من المنفى المشكلة لم تطرح كقضية استرجاع الخلافة بل كقضية استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنية للدولة والشعب من القبضة الاستعمارية.
في السياق السياسي أيضاً، يشير يتيم إلى أن الاختيارات الرسمية للمغرب لم تتجه إلى خيار الدولة المغلقة القائمة على حكم الحزب الوحيد الذي يأتي في الغالب نتيجة انقلابات عسكرية فوقية ومحاولة لتكريس شرعية الحكام الانقلابيين عن طريق القبضة الحديدية، بل توجه إلى اختيار تعددي مفتوح نسبيا على التعدد ويطرح سلطة الدولة ومن في أعلى هرممها باعتبارها سلطة تركيب وتوفيق وتحكيم وإقامة للتوازن كما كان عليه الشأن على مدى التاريخ، ومن دون شك فإن هذا –برأي المتحدث- ينتج شروطا مختلفة.
رابعا السياق الثقافي والفكري العام، حيث انضاف إلى التقليد المقاصدي والنظري النظر بمعناه الفلسفي الرشدي الذي ميز المغارب على العموم، وهو التأثير الفلسفي الفرنسي العقلاني الديكارثي.
وأخيرا أن قيادات حركة التوحيد والإصلاح ومؤسسيها لم يكونوا من الفقهاء أو العلماء بالمعنى التقليدي بل كانوا في تكوينهم في الغالب من خريجي الجامعات الحديثة فضلا عن عمل آخر مهم هو غياب القيادة الكاريزمية أو الشيخ المرجع مما جعل القيادة والاجتهاد أقرب ما يكون قيادة واجتهادا جماعيا تداخلت فيه واقعية السياسي وحديه وتأصيل الفقيه وفكره المقاصدي ونظر المفكر وتأمل الفيلسوف واعتبار المؤرخ وبركة الاجتماع والتفكير والتدبير الجماعي.
وأوضح يتيم أن هذه المعطيات ولدت عند الحركة قدرة كبيرة على المراجعة والملاءمة المستمرة ورفض استنساخ نماذج فكرية وحركية أفرزت ضمن سياقات مختلفة وسعت للإجابة على إشكاليات أخرى غير إشكاليات الواقع المغربي.
التجديد الفكري
تفاعلت حركة التوحيد والإصلاح مع مجمل التراث الفكري للحركة الإسلامية المعاصرة واستفادت منها وشكل هذا التراث أحد المراجع الأساسية في تكوينها الفكري غير أن الحركة لم تبق أسرة لعدد من مفردات هذه المدرسة التي كان بعضها ناتجا عن سياقات أخرى من قبيل سياق شبه الجزيرة الهندية والحرب التي قادت إلى انفصال الباكستان والتي اتخذت صبغة صراع ديني هندوسي إسلامية مما ولد مفاهيم من قبل "الجماعة الإسلامية" و "المفاهيم الأربعة" لأبي الأعلى المودودي والتي ربطت مفهوم التوحيد ومفهوم الألوهية بمفهوم" الحاكمية"؛ وهي الفكرة التي سطرها سيد قطب حين سيطرح "الحاكمية "الإلهية التي تجعل للتوحيد بعدا آخر إضافي إلى جانب التصور الاعتقادي والشرائع التعبدية، أي التشريعات القانونية، أي أن تحكيم الشريعة ركن من أركان التوحيد وانتقاضه يجعل المجتمع مجتمعا "جاهليا".
وكما هو معلوم فقد مهد هذا النمط من التفكير لظهور الفكر التكفيري في مصر خاصة مع اشتداد حملة الاضطهاد والقمع للإخوان في ظل حكم عبد الناصر. وقال يتيم إن إحدى المراجعات الفكرية الأساسية كانت هو عدم الانجرار إلى هذا النمط من التفكير ومحاولة قطع العلاقة مع كل المصطلحات أو المفردات أو التسميات التي قد توحي به أو تشير إليه، وأضاف أن الحركة قررت في وقت مبكر تغيير تسميتها من" الجماعة الإسلامية" إلى حركة "الإصلاح والتجديد"، علما أنه حتى في إطار "الجماعة الإسلامية" كانت الورقة المؤسسة للجماعة تؤكد أننا جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين.
واستحضر يتيم عددا من الأدبيات الفكرية الأولى المؤسسة ذات الصلة بالتمييز بين الثوابت والمتغيرات وفي قواعد الفقه الدعوي ومفهوم التغيير وبعده الحضاري، ومفهوم الدولة وموقع التغيير السياسي، وأهمية البعد الفكري والتربوي والثقافي في الإصلاح، وطبيعة العلاقة بين الدعوي والسياسي والطبيعة المدنية للدولة ومفاهيم سيادة الأمة وأنها هي الأصل، والتأصيل للعمل بالأغلبية التي هي مفهوم مركزي في النظام الديمقراطي (التقريب والتغليب). وأبرز أن جزء كبير من بناء هذه المفاهيم والتجديد فيها مرتبط بقراءة مقاصدية للدين وأصوله وأحكامه (الطاهر بن عاشور، علال الفاسي، راشد الغنوشي، احمد الريسوني، سعد الدين العثماني)، كما هو مرتبط بانفتاح المغرب على المدارس الفلسفية الغربية ذات المنحى العقلاني وأيضا على مناهج العلوم الإنسانية.
التجديد المنهجي
اعتبر يتيم أن التجديد المنهجي مرتبط بالتجديد الفكري والثقافي وأحد تجلياته، وقال إنه نتيجة لإعادة تحديد مقاصد العمل الإسلامي نتيجة عملية لثورة "كوبيرنيكية" نقلت محور دوران عمل الحركة من إقامة الدولة إلى الإسهام في إقامة الدين، بما يعنيه ذلك على المستوى الفكري والمنهجي من خروج من الباراديغم الذي كان ولا يزال يحكم تفكير الحركة الإسلامية في مسألة التغيير وهدفها الأكبر أي بناء الدولة الإسلامية أو إعادة دولة الخلافة.
وأضاف يتيم أن هذه الثورة لها تأثير منهجي حاسم إذ تنسب أولا دور العمل السياسي ودور الدولة دون أن تبخسهما أو تتنكر لهما. ثانيا أنها تمكن من تجاوز النظرة العدمية التي تمسح تاريخ الإسلام، حين تنظر إليه فقط من زاوية تاريخ الدولة أو تاريخ الملوك والأمراء وتبخس دور الأمة والمجتمع العلمي وجهود الإصلاح الاجتماعي والثقافي والعلمي وتبخس بالأساس قوة الدفع الذاتي للعقيدة الدينية، وقوتها الروحية والأخلاقية في التعبئة وفي المقاومة وفي استمرارية الرسالة الحضارية للإسلام حتى في لحظات اندحار وتفكك الدولة.
وأكد المتحدث أنه من الناحية المنهجية تعزز هذه الثورة مفهوم التدافع في المجتمع وأنه لا مجال لنظرة مانوية تنظر للمجتمع بأنه تقاطب بين خير مطلق وشر مطلق أو أبيض ناصح البياض وسواد شديد الحركة، وأوضح أن المطلوب من العباد أن يتقوا الله وأن يصلحوا حسب الوسع وحسب الاستطاعة.
وحسب يتيم فإنه من مستلزمات هذه النظرة من الناحية المنهجية التدرج في الإصلاح وعدم الانشغال عن الممكن المتيسر منه بالمأمول المتعسر. ومن مقتضياته أيضاً أن الأمة مسلمة والدولة إسلامية وأن العمل الدعوي والتربوي لدى الحركة لا يعني دعوة الناس إلى الدخول في الإسلام وإنما إلى تحسين التزامهم به وترشيد تدينهم. ومن مقتضياته أن الحركة لا تحتكر العمل الإسلامي وإنما هي مكون من مكوناته الشعبية المدنية، ولذلك –يضيف المتحدث- تعتبر أن دورها هو الإسهام في والتعاون على إقامة الدين على جميع المستويات، واعتمدت في تصورها فكر الشراكة والتعاون مع الغير على الإصلاح.
ثقة وثقل!
وصف المفكر الإسلامي المصري، محمد سليم العوا، في تصريح خاص ل "التجديد"، أن الإسلاميين بالمغرب "لم يصطدموا بالمجتمع، ولم يصطدموا بالدولة، كما لم يصطدموا بمراكز القوى الدينية من أمثال "المشيخات" التقليدية والطرق الصوفية ولا القيادات السلفية، وما إلى ذلك، وإنما تعاملوا مع الجميع، باعتبار الحركة الإسلامية ملكا للجميع". واعتبر المفكر الإسلامي أن حركة التوحيد والإصلاح "فهمت أنها تعمل في محيطها الطبيعي، وليست دخيلة ولا من مهمتها الدخول في صراعات، مهمتها أن توصل الرسالة إلى الناس، وهذا سر نجاحها، وسر ما تتمتع به من ثقة وثقل في العالم العربي".
وقال العوا إن حركة التوحيد والإصلاح نجحت في الوصول إلى الدعوة الإسلامية السلمية المحببة للناس الغير المبغضة له في فرض أنماط من السلوك على الناس، وأضاف"أن الناس متروكون كل يعمل وفق قناعته الشخصية في مسلكه لكن هناك حد متفق عليه وهي المبادئ الإسلامية العليا تجعلها الحركة نصب عينها في أي تصرف من تصرفاته". واعتبر أن الحركة تتميز بموقف تعقلي هادئ لا يندفع معه الناس في خصومات تؤدي إلا صراعات لا تنتج شيئا لصالح الإسلام والمسلمين.
وأضاف المتحدث أن الحركة تتميز بأنها ليست حركة نمطية، ذلك أن كل الناس فيها ليسوا مثل قوالب الطوب لا يتحركون ولا يتكلمون ولا يعملون شيئا إلا بأوامر عليا، مشيرا إلى أن في حركة التوحيد والإصلاح حرية فكرية وقدر كبير من الشورى الصحيحة، وإمكانية في الاختلاف في الرأي بين الصغير والكبير ولا الكبير يغضب ولا الصغير يشعر أنه مخنوق وإنما الرأي متاح ومتداول والشورى حقيقية وهي كلها عوامل النجاح